فصل: خُرُوجُ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزّوْجِ مُتَقَوّمٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل مَا جَرَى عَلَيْهِ الصّلْحُ:

مَكّةَ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ وَأَنْ يَأْمَنَ النّاسُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَأَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ عَامَهُ ذَلِكَ حَتّى إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَدِمَهَا وَخَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكّةَ فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا وَأَنْ لَا يَدْخُلَهَا إلّا بِسِلَاحِ الرّاكِبِ وَالسّيُوفِ فِي الْقِرَبِ وَأَنّ مَنْ أَتَانَا مِنْ أَصْحَابِكَ لَمْ نَرُدّهُ عَلَيْك وَمَنْ أَتَاكَ مِنْ أَصْحَابِنَا رَدّدَتْهُ عَلَيْنَا وَأَنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ عَيْبَةً مَكْفُوفَةً وَأَنّهُ لَا إسْلَالَ وَلَا إغْلَالَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ نُعْطِيهِمْ هَذَا؟ فَقَالَ مَنْ أَتَاهُمْ مِنّا فَأَبْعَدَهُ اللّهُ وَمَنْ أَتَانَا مِنْهُمْ فَرَدَدْنَاهُ إلَيْهِمْ جَعَلَ اللّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا.

.فِدْيَةُ الْأَذَى لِمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ:

وَفِي قِصّةِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْزَلَ اللّهُ- عَزّ وَجَلّ- فِدْيَةَ الْأَذَى لِمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِالصّيَامِ أَوْ الصّدَقَةِ أَوْ النّسُكِ فِي شَأْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. وَفِيهَا دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْمُحَلّقِينَ بِالْمَغْفِرَةِ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصّرِينَ مَرّةً. وَفِيهَا نَحَرُوا الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. وَفِيهَا أَهْدَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي جُمْلَةِ هَدْيِهِ جَمَلًا كَانَ لِأَبِي جَهْلٍ كَانَ فِي أَنْفِهِ بُرّةٌ مِنْ فِضّةٍ لِيَغِيظَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ. وَفِيهَا أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ وَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَكَانَ فِي الشّرْطِ أَنّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ دَخَلَ.

.عَدَمُ رَدّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ إلَى الْمُشْرِكِينَ:

وَلَمّا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ جَاءَهُ نِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ مِنْهُنّ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالشّرْطِ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ فَلَمْ يُرْجِعْهَا إلَيْهِمْ وَنَهَاهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ هَذَا نَسْخٌ لِلشّرْطِ فِي النّسَاءِ. وَقِيلَ تَخْصِيصٌ لِلسّنّةِ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ عَزِيزٌ جِدّا. وَقِيلَ لَمْ يَقَعْ الشّرْطُ إلّا عَلَى الرّجَالِ خَاصّةً وَأَرَادَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُعَمّمُوهُ فِي الصّنْفَيْنِ فَأَبَى اللّهُ ذَلِكَ.

.فَصْلٌ فِي بَعْضِ مَا فِي قِصّةِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيّةِ:

فَمِنْهَا: اعْتِمَارُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ فَإِنّهُ خَرَجَ إلَيْهَا فِي ذِي الْقِعْدَةِ.

.الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ كَمَا أَنّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجّ كَذَلِكَ فَإِنّهُ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مَيْلٌ أَوْ نَحْوُهُ وَأَمّا حَدِيثُ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخّر وَفِي لَفْظٍ كَانَتْ كَفّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذّنُوبِ فَحَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ وَقَدْ اُضْطُرِبَ فِيهِ إسْنَادًا وَمَتْنًا اضْطِرَابًا شَدِيدًا. وَمِنْهَا: أَنّ سَوْقَ الْهَدْيِ مَسْنُونٌ فِي الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ كَمَا هُوَ مَسْنُونٌ فِي الْقِرَانِ. وَمِنْهَا: أَنّ إشْعَارَ الْهَدْيِ سُنّةٌ لَا مُثْلَةٌ مَنْهِيّ عَنْهَا.

.اسْتِحْبَابُ مُغَايَظَةِ أَعْدَاءِ اللّهِ:

وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ مُغَايَظَةِ أَعْدَاءِ اللّهِ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْدَى فِي جُمْلَةِ هَدْيِهِ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ فِي أَنْفِهِ بُرّةٌ مِنْ فِضّةٍ يَغِيظُ بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ} [الْفَتْحُ 29] وَقَالَ عَزّ وَجَلّ {ذَلِكَ بِأَنّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَيْلًا إِلّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التّوْبَةُ 120]. وَمِنْهَا: أَنّ أَمِيرَ الْجَيْشِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْعَثَ الْعُيُونَ أَمَامَهُ نَحْوَ الْعَدُوّ.

.الِاسْتِعَانَةُ بِالْمُشْرِكِ:

وَمِنْهَا: أَنّ الِاسْتِعَانَةَ بِالْمُشْرِكِ الْمَأْمُونِ فِي الْجِهَادِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِأَنّ عَيْنَهُ الْخُزَاعِيّ كَانَ كَافِرًا إذْ ذَاكَ وَفِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَنّهُ أَقْرَبُ إلَى اخْتِلَاطِهِ بِالْعَدُوّ وَأَخْذِهِ أَخْبَارَهُمْ.

.اسْتِحْبَابُ الشّورَى:

وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ مَشُورَةِ الْإِمَامِ رَعِيّتَهُ وَجَيْشَهُ اسْتِخْرَاجًا لِوَجْهِ الرّأْيِ وَاسْتِطَابَةً لِنَفُوسِهِمْ وَأَمْنًا لِعَتَبِهِمْ وَتَعَرّفًا لِمَصْلَحَةٍ يَخْتَصّ بِعِلْمِهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَامْتِثَالًا لِأَمْرِ الرّبّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عِمْرَانَ 159] وَقَدْ مَدَحَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشّورَى: 38].

.رَدّ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ وَلَوْ نُسِبَ إلَى غَيْرِ الْمُكَلّفِ:

وَمِنْهَا: جَوَازُ سَبْيِ ذَرَارِيّ الْمُشْرِكِينَ إذَا انْفَرَدُوا عَنْ رِجَالِهِمْ قَبْلَ مُقَاتَلَةِ الرّجَالِ. وَمِنْهَا: رَدّ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ وَلَوْ نُسِبَ إلَى غَيْرِ مُكَلّفٍ فَإِنّهُمْ لَمّا قَالُوا: خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ يَعْنِي حَرَنَتْ وَأَلَحّتْ فَلَمْ تَسِرْ وَالْخِلَاءُ فِي الْإِبِلِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدّ نَظِيرُ الْحِرَانِ فِي الْخَيْلِ فَلَمّا نَسَبُوا إلَى النّاقَةِ مَا لَيْسَ مِنْ خُلُقِهَا وَطَبْعِهَا رَدّهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ مَا خَلَأَتْ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُق ثُمّ أَخْبَرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ سَبَبِ بُرُوكِهَا وَأَنّ الّذِي حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ مَكّةَ حَبَسَهَا لِلْحِكْمَةِ الْعَظِيمَةِ الّتِي ظَهَرَتْ بِسَبَبِ حَبْسِهَا وَمَا جَرَى بَعْدَهُ. وَمِنْهَا: أَنّ تَسْمِيَةَ مَا يُلَابِسُهُ الرّجُلُ مِنْ مَرَاكِبِهِ وَنَحْوِهَا سُنّةٌ.

.اسْتِحْبَابُ الْحَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ الدّينِيّ الّذِي يُرَادُ تَأْكِيدُهُ:

وَمِنْهَا: جَوَازُ الْحَلِفِ بَلْ اسْتِحْبَابُهُ عَلَى الْخَبَرِ الدّينِيّ الّذِي يُرِيدُ تَأْكِيدَهُ وَقَدْ حُفِظَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَلِفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا وَأَمَرَهُ اللّهُ تَعَالَى بِالْحَلِفِ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي (سُورَةِ يُونُسَ) و(سَبَأٍ) و(التّغَابُنِ).
إذَا طَلَبَ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَالْبُغَاةُ وَالظّلَمَةُ أَمْرًا يُعَظّمُونَ فِيهِ حُرْمَةً مِنْ حُرُمَاتِ اللّهِ أُعِينُوا عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: أَنّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَالْبُغَاةِ وَالظّلَمَةِ إذَا طَلَبُوا أَمْرًا يُعَظّمُونَ فِيهِ حُرْمَةً مِنْ حُرُمَاتِ اللّهِ تَعَالَى أُجِيبُوا إلَيْهِ وَأُعْطُوهُ وَأُعِينُوا عَلَيْهِ وَإِنْ مَنَعُوا غَيْرَهُ فَيُعَاوَنُونَ عَلَى مَا فِيهِ تَعْظِيمُ حُرُمَاتِ اللّهِ تَعَالَى لَا عَلَى كُفْرِهِمْ وَبَغْيِهِمْ وَيُمْنَعُونَ مِمّا سِوَى ذَلِكَ فَكُلّ مَنْ الْتَمَسَ الْمُعَاوَنَةَ عَلَى مَحْبُوبٍ لِلّهِ تَعَالَى مُرْضٍ لَهُ أُجِيبَ إلَى ذَلِكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ مَا لَمْ يَتَرَتّبْ عَلَى إعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْبُوبِ مَبْغُوضٌ لِلّهِ أَعْظَمَ مِنْهُ وَهَذَا مِنْ أَدَقّ الْمَوَاضِعِ وَأَصْعَبِهَا وَأَشَقّهَا عَلَى النّفُوسِ وَلِذَلِكَ ضَاقَ عَنْهُ مِنْ الصّحَابَةِ مَنْ ضَاقَ وَقَالَ عُمَرُ مَا قَالَ حَتّى عَمِلَ لَهُ أَعْمَالًا بَعْدَهُ وَالصّدّيقُ تَلَقّاهُ بِالرّضَى وَالتّسْلِيمِ حَتّى كَانَ قَلْبُهُ فِيهِ عَلَى قَلْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَجَابَ عُمَرَ عَمّا سَأَلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِ جَوَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنّ الصّدّيقَ رَضِيَ اللّه عَنْهُ أَفْضَلُ الصّحَابَةِ وَأَكْمَلُهُمْ وَأَعْرَفُهُمْ بِاَللّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَعْلَمُهُمْ بِدِينِهِ وَأَقْوَمُهُمْ بِمَحَابّهِ وَأَشَدّهُمْ مُوَافَقَةً لَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْأَلْ عُمَرَ عَمّا عَرَضَ لَهُ إلّا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصِدّيقَهُ خَاصّةً دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِهِ. وَمِنْهَا: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَدَلَ ذَاتَ الْيَمِينِ إلَى الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَ الشّافِعِيّ: بَعْضُهَا مِنْ الْحِلّ وَبَعْضُهَا مِنْ الْحَرَمِ.

.مُضَاعَفَةُ الصّلَاةِ بِمَكّةَ تَتَعَلّقُ بِجَمِيعِ الْحَرَمِ لَا يُخَصّ بِهَا الْمَسْجِدُ:

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْقِصّةِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُصَلّي فِي الْحَرَمِ وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِي الْحِل وَفِي هَذَا كَالدّلَالَةِ عَلَى أَنّ مُضَاعَفَةَ الصّلَاةِ بِمَكّةَ تَتَعَلّقُ بِجَمِيعِ الْحَرَمِ لَا يُخَصّ بِهَا الْمَسْجِدُ الّذِي هُوَ مَكَانُ الطّوَافِ وَأَنّ قَوْلَهُ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التّوْبَةُ 28] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الْإِسْرَاءُ: 1] وَكَانَ الْإِسْرَاءُ مِنْ بَيْتِ أُمّ هَانِئٍ. وَمِنْهَا: أَنّ مَنْ نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ مَكّةَ فَإِنّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْحِلّ وَيُصَلّيَ فِي الْحَرَمِ وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ. وَمِنْهَا: جَوَازُ ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِطَلَبِ صُلْحِ الْعَدُوّ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ وَلَا يَتَوَقّفُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الطّلَبِ مِنْهُمْ.

.سُنّيّةُ الْقِيَامِ بِالسّيْفِ عَلَى رَأْسِ الْقَائِدِ عِنْدَ قُدُومِ رُسُلِ الْعَدُوّ:

وَفِي قِيَامِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّيْفِ وَلَمْ يَكُنْ عَادَتَهُ أَنْ يُقَامَ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ سُنّةٌ يُقْتَدَى بِهَا عِنْدَ قُدُومِ رُسُلِ الْعَدُوّ مِنْ إظْهَارِ الْعِزّ وَالْفَخْرِ وَتَعْظِيمِ الْإِمَامِ وَطَاعَتِهِ وَوِقَايَتِهِ بِالنّفُوسِ وَهَذِهِ هِيَ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ عِنْدَ قُدُومِ رُسُلِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ وَقُدُومِ رُسُلِ الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ هَذَا النّوْعِ الّذِي ذَمّهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِهِ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَتَمَثّلَ لَهُ الرّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النّارِ كَمَا أَنّ الْفَخْرَ وَالْخُيَلَاءَ فِي الْحَرْبِ.

.مَالُ المشّرْكِ الْمُعَاهَدِ مَعْصُومٌ:

وَفِي قَوْلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْمُغِيرَةِ أَمّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ وَأَمّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ مَالَ الْمُشْرِكِ الْمُعَاهَدِ مَعْصُومٌ وَأَنّهُ لَا يُمْلَكُ بَلْ يُرَدّ عَلَيْهِ فَإِنّ الْمُغِيرَةَ كَانَ قَدْ صَحِبَهُمْ عَلَى الْأَمَانِ ثُمّ غَدَرَ بِهِمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ فَلَمْ يَتَعَرّضْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَمْوَالِهِمْ وَلَا ذَبّ عَنْهَا وَلَا ضَمِنَهَا لَهُمْ لِأَنّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ إسْلَامِ الْمُغِيرَةِ.

.جَوَازُ التّصْرِيحِ بِاسْمِ الْعَوْرَةِ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ:

وَفِي قَوْلِ الصّدّيقِ لِعُرْوَةَ اُمْصُصْ بَظْرَ اللّات دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التّصْرِيحِ بِاسْمِ الْعَوْرَةِ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَقْتَضِيهَا تِلْكَ الْحَالُ كَمَا أَذِنَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُصَرّحَ لِمَنْ ادّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ بِهُنّ أَبِيهِ وَيُقَالُ لَهُ اعْضَضْ أَيْرَ أَبِيك وَلَا يُكَنّى لَهُ فَلِكُلّ مَقَامٍ مَقَالٌ.

.احْتِمَالُ قِلّةِ أَدَبِ رَسُولِ الْكُفّارِ:

وَمِنْهَا: احْتِمَالُ قِلّةِ أَدَبِ رَسُولِ الْكُفّارِ وَجَهْلُهُ وَجَفْوَتُهُ وَلَا يُقَابَلُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَامّةِ وَلَمْ يُقَابِلْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُرْوَةَ عَلَى أَخْذِهِ بِلِحْيَتِهِ وَقْتَ خِطَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ عَادَةَ الْعَرَبِ لَكِنّ الْوَقَارَ وَالتّعْظِيمَ خِلَافُ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَمْ يُقَابِلْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ حِينَ قَالَا: نَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَقَالَ لَوْلَا أَنّ الرّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمَا وَمِنْهَا: طَهَارَةُ النّخَامَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ رَأْسٍ أَوْ صَدْرٍ. وَمِنْهَا: طَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ التّفَاؤُلِ وَأَنّهُ لَيْسَ مِنْ الطّيَرَةِ الْمَكْرُوهَةِ لِقَوْلِهِ لَمّا جَاءَ سُهَيْلٌ سُهّلَ أَمْرُكُمْ.

.يُغْنِي فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ عَنْ ذِكْرِ الْجَدّ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ أَغْنَى ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ الْجَدّ لِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَزِدْ عَلَى مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَقَنِعَ مِنْ سُهَيْلٍ بِذِكْرِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ خَاصّةً وَاشْتِرَاطُ ذِكْرِ الْجَدّ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمّا اشْتَرَى الْعَدّاءُ بْنُ خَالِدٍ مِنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغُلَامَ فَكَتَبَ لَهُ هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَة فَذَكَرَ جَدّهُ فَهُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ تَدُلّ عَلَى أَنّهُ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا تَدُلّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ وَلَمّا لَمْ يَكُنْ فِي الشّهْرَةِ بِحَيْثُ يُكْتَفَى بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ ذَكَرَ جَدّهُ فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجَدّ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْمِ وَاسْمِ الْأَبِ وَعِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ اُكْتُفِيَ بِذِكْرِ الِاسْمِ وَاسْمِ الْأَبِ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهَا: أَنّ مُصَالَحَةَ الْمُشْرِكِينَ بِبَعْضِ مَا فِيهِ ضَيْمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَائِزَةٌ لِلْمَصْلَحَةِ الرّاجِحَةِ وَدَفْعِ مَا هُوَ شَرّ مِنْهُ فَفِيهِ دَفْعُ أَعْلَى الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا. وَمِنْهَا: أَنّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ أَوْ نَذَرَهُ أَوْ وَعَدَ غَيْرَهُ بِهِ وَلَمْ يُعَيّنْ وَقْتًا لَا بِلَفْظِهِ وَلَا بِنِيّتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ عَلَى التّرَاخِي. وَمِنْهَا: أَنّ الْحِلَاقَ نُسُكٌ وَأَنّهُ أَفْضَلُ مِنْ التّقْصِيرِ وَأَنّهُ نُسُكٌ فِي الْعُمْرَةِ كَمَا هُوَ نُسُكٌ فِي الْحَجّ وَأَنّهُ نُسُكٌ فِي عُمْرَةِ الْمَحْصُورِ كَمَا هُوَ نُسُكٌ فِي عُمْرَةِ غَيْرِهِ.

.لَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْصَرِ الْقَضَاءُ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْمُحْصَرَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ مِنْ الْحِلّ أَوْ الْحَرَمِ وَأَنّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَاعِدَ مَنْ يَنْحَرُهُ فِي الْحَرَمِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ وَأَنّهُ لَا يَتَحَلّلُ حَتّى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلّهُ} [الْفَتْحُ 25]. وَمِنْهَا: أَنّ الْمَوْضِعَ الّذِي نَحَرَ فِيهِ الْهَدْيَ كَانَ مِنْ الْحِلّ لَا مِنْ الْحَرَمِ لِأَنّ الْحَرَمَ كُلّهُ مَحِلّ الْهَدْيِ. وَمِنْهَا: أَنّ الْمُحْصَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ وَالنّحْرِ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْقَضَاءِ وَالْعُمْرَةُ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً وَلَا قَضَاءً عَنْ عُمْرَةِ الْإِحْصَارِ فَإِنّهُمْ كَانُوا فِي عُمْرَةِ الْإِحْصَارِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَكَانُوا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيّةِ دُونَ ذَلِكَ وَإِنّمَا سُمّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيّةِ وَالْقَضَاءِ لِأَنّهَا الْعُمْرَةُ الّتِي قَاضَاهُمْ عَلَيْهَا فَأُضِيفَتْ الْعُمْرَةُ إلَى مَصْدَرِ فِعْلِهِ.

.الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْفَوْرِ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِلّا لَمْ يَغْضَبْ لِتَأْخِيرِهِمْ الِامْتِثَالَ عَنْ وَقْتِ الْأَمْرِ وَقَدْ اُعْتُذِرَ عَنْ تَأْخِيرِهِمْ الِامْتِثَالَ بِأَنّهُمْ كَانُوا يَرْجُونَ النّسْخَ فَأَخّرُوا مُتَأَوّلِينَ لِذَلِكَ وَهَذَا الِاعْتِذَارُ أَوْلَى أَنْ يُعْتَذَرَ عَنْهُ وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ فَهِمَ مِنْهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَدّ غَضَبُهُ لِتَأْخِيرِ أَمْرِهِ وَيَقُولُ مَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا أُتّبَعُ وَإِنّمَا كَانَ تَأْخِيرُهُمْ مِنْ السّعْيِ الْمَغْفُورِ لَا الْمَشْكُورِ وَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ وَأَوْجَبَ لَهُمْ الْجَنّةَ.

.الْأَصْلُ مُشَارَكَةُ أُمّتِهِ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْأَحْكَامِ إلّا مَا خَصّهُ الدّلِيلُ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْأَصْلَ مُشَارَكَةُ أُمّتِهِ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ إلّا مَا خَصّهُ الدّلِيلُ وَلِذَلِكَ قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ اُخْرُجْ وَلَا تُكَلّمْ أَحَدًا حَتّى تَحْلِقَ رَأْسَك وَتَنْحَرَ هَدْيَك وَعَلِمَتْ أَنّ النّاسَ سَيُتَابِعُونَهُ. فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ فَعَلُوا ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَمْتَثِلُوهُ حِينَ أَمَرَهُمْ بِهِ؟ قِيلَ هَذَا هُوَ السّبَبُ الّذِي لِأَجْلِهِ ظَنّ مَنْ ظَنّ أَنّهُمْ أَخّرُوا الِامْتِثَالَ طَمَعًا فِي النّسْخِ فَلَمّا فَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ عَلِمُوا حِينَئِذٍ أَنّهُ حُكْمٌ مُسْتَقِرّ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَقَدْ تَقَدّمَ فَسَادُ هَذَا الظّنّ وَلَكِنْ لَمّا تَغَيّظَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ وَلَمْ يُكَلّمْهُمْ وَأَرَاهُمْ أَنّهُ بَادَرَ إلَى امْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ وَأَنّهُ لَمْ يُؤَخّرْ كَتَأْخِيرِهِمْ وَأَنّ اتّبَاعَهُمْ لَهُ وَطَاعَتَهُمْ تُوجِبُ اقْتِدَاءَهُمْ بِهِ بَادَرُوا حِينَئِذٍ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ. وَمِنْهَا: جَوَازُ صُلْحِ الْكُفّارِ عَلَى رَدّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَلّا يُرَدّ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ هَذَا فِي غَيْرِ النّسَاءِ وَأَمّا النّسَاءُ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ رَدّهِنّ إلَى الْكُفّارِ وَهَذَا مَوْضِعُ النّسْخِ خَاصّةً فِي هَذَا الْعَقْدِ بِنَصّ الْقُرْآنِ وَلَا سَبِيلَ إلَى دَعْوَى النّسْخِ فِي غَيْرِهِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ.

.خُرُوجُ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزّوْجِ مُتَقَوّمٌ:

وَمِنْهَا: أَنّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزّوْجِ مُتَقَوّمٌ وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ اللّهُ سُبْحَانَهُ رَدّ الْمَهْرِ عَلَى مَنْ هَاجَرَتْ امْرَأَتُهُ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَعَلَى مَنْ ارْتَدّتْ امْرَأَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا اسْتَحَقّ الْكُفّارُ عَلَيْهِمْ رَدّ مُهُورِ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَأَخْبَرَ أَنّ ذَلِكَ حُكْمُهُ الّذِي حَكَمَ بِهِ بَيْنَهُمْ ثُمّ لَمْ يَنْسَخْهُ شَيْءٌ وَفِي إيجَابِهِ رَدّ مَا أَعْطَى الْأَزْوَاجُ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَوّمِهِ بِالْمُسَمّى لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَمِنْهَا: أَنّ رَدّ مَنْ جَاءَ مِنْ الْكُفّارِ إلَى الْإِمَامِ لَا يَتَنَاوَلُ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا إلَى غَيْرِ بَلَدِ الْإِمَامِ وَأَنّهُ إذَا جَاءَ إلَى بَلَدِ الْإِمَامِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدّهُ بِدُونِ الطّلَبِ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَرُدّ أَبَا بَصِيرٍ حِينَ جَاءَهُ وَلَا أَكْرَهَهُ عَلَى الرّجُوعِ وَلَكِنْ لَمّا جَاءُوا فِي طَلَبِهِ مَكّنَهُمْ مِنْ أَخْذِهِ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى الرّجُوعِ. وَمِنْهَا أَنّ الْمُعَاهَدِينَ إذَا تَسَلّمُوهُ وَتَمَكّنُوا مِنْهُ فَقَتَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَضْمَنْهُ بِدِيَةٍ وَلَا قَوَدٍ وَلَمْ يَضْمَنْهُ الْإِمَامُ بَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ قَتْلِهِ لَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ حَيْثُ لَا حُكْمَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِمْ فَإِنّ أَبَا بَصِيرٍ قَتَلَ أَحَدَ الرّجُلَيْنِ الْمُعَاهَدَيْنِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَهِيَ مِنْ حُكْمِ الْمَدِينَةِ وَلَكِنْ كَانَ قَدْ تَسَلّمُوهُ وَفُصِلَ عَنْ يَدِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ. وَمِنْهَا: أَنّ الْمُعَاهَدِينَ إذَا عَاهَدُوا الْإِمَامَ فَخَرَجَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ فَحَارَبَتْهُمْ وَغَنِمَتْ أَمْوَالَهُمْ وَلَمْ يَتَحَيّزُوا إلَى الْإِمَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْإِمَامِ دَفْعُهُمْ عَنْهُمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْهُمْ وَسَوَاءٌ دَخَلُوا فِي عَقْدِ الْإِمَامِ وَعَهْدِهِ وَدِينِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلُوا وَالْعَهْدُ الّذِي كَانَ بَيْنَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُنْ عَهْدًا أَبِي بَصِيرٍ وَأَصْحَابِهِ وَبَيْنَهُمْ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ بَيْنَ بَعْضِ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ وَبَعْضِ أَهْلِ الذّمّةِ مِنْ النّصَارَى وَغَيْرِهِمْ عَهْدٌ جَازِ لِمَلِكٍ آخَرَ مِنْ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْزُوَهُمْ وَيَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي نَصَارَى مَلَطْيَةَ وَسَبْيِهِمْ مُسْتَدِلّا بِقِصّةِ أَبِي بَصِيرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ.